الحمد لله رب العالمين يسمع دعاء الخلائق ويجيب ..
يغفر لمن استغفره ، ويرحم من استرحمه ، و يصلح المعيب ...
نحمده تبارك وتعالى ونسأله التنظيم لأحوالنا و الترتيب ...
ونعوذ بنور وجهه الكريم من الفساد و الإفساد والتخريب ...
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المقرب والحبيب ...
خلقٌهُ نعمة ، ومبعثه رحمة ، وشمس سنته لا تغيب ...
فصلِ اللهم عليه و على آلـه و صحبه و كل من انتسب إليه من بعيد أو قريب ...
أمــاآ بعد إخوتـي و أعزاآئي أعضاء و زوار تاج الغرام الكراآم و بالأخص قــراآء هذا الموضوع,,
اليـوم سأقدم لكم موضوع قيم ورائع
أتمنى من الله أن يُعجبـكمـ الموضوع
التغيير في النفوس والأمم والشعوب قضية بالغة الأهمية ،
سنة من سنن الله في الكون وضع الملك جل وعلا أساسها ومحورها الرئيس لكي لا نذهب بعيدا باحثين عن حلول ،
فقال جل شأنه
: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]،
ومعنى هذه الآية -كما قال ابن سعدي رحمه الله-:
«أن الله لا يغير ما بقومٍ من النعمة والإحسان، ورغد العيش، حتى يغيروا ما بأنفسهم؛
بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله -تعالى-
إلى البطر بها، فيسلبهم الله إياها عند ذلك».
فتغيير الحال لا يكون بالتمني والأماني، ولكن بالعمل الجاد والنية الخالصة والسلوك القويم،
فمن أراد أن يصل إلى بر الأمان وشاطئ السلامة فعليه أن يعد الزاد من التقوى والعمل الصالح،
وأن يحكم السفينة ويتعهد الراحلة،
وإلا كان كما قال القائل:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها --- إن السفينة لا تمشي على اليبس
نقول لكل مسلم هذا رمضان فرصةٌ مواتية للتغيير،وإصلاح النفوس والقلوب.
وليعلم كل منا أنه يساهم بقسط وافر في تردي الحال وتأخر النصر
إذا لم ينتهز فرصة رمضان لزيادة رصيده من الصالحات ، وتصفية ما عليه من الآثام ،
حيث هو لبنة في بناء الأمة التي وعد الله بتغيير واقعها إلى أحسن وحالها إلى أفضل
إن هم غيروا ما بأنفسهم.
لا تقل : من أين أبدأ => طاعه الله البداية
لا تقل : أين طريقي => شرعة الله الهداية
لا تقل : أين نعيمي => جنة الله كفاية
لا تقل : في الغد أبدأ => ربما تأتي النهاية
لذا نجد فيه كُلَّ شيء قد تغيرَ ،
ولكن السؤال الأهم: هل رياحُ التغيير التي أحدثها هذا الضيفُ الكريم في حياتنا
اكتسحت ما بدواخلنا لإحداث نقلةٍ رُوحية وجسدية تُصلح أوضاعنا وتُغيّر ما بنا من سوء؟
إذا كان شهرُ رمضان أحدثَ بإذن الله في هذا الكون الشامخ تغييراً ملموساً لا ينكره أحد،
إذ فتّحت أبوابُ الجنة، وغلّقت أبواب النار، وصفِّد الأعداء الألداء الشياطين،
وينزل الملائكة الكرام مشاركين في سيدة الليالي ليلةِ القدر يملؤون الأرض،
حصلت هذه التغييرات الكونية في سيد الشهور، أفلا تتغيرُ حياتُنا المريرة وأوضاعنا المأسوية
في شهر ٍمُنح من الخصائص ما يعجز عن تدوينه المدادُ؟
والتغيير الإيجابي ليس بالأمر السهل إنما يحتاج منا جميعاً إلى إرادة فولاذية،
وعزيمة قوية، وقرار شجاع وسعي للتغير.
انظروا إلى قصة من قتل مئة نفس، كيف وفقه الله تعالى إلى طريق التوبة، حينما بدأ يسأل،
ويُلح في السؤال، ويبحث عن مخرج مما هو فيه،
حينها هيأ الله له الخلاص ورزقه توبةً في آخر حياته. إن الله -جلّ وعلا-
لم يكتب القرب من أحد إلا بسعيٍ منه وإقبال.
فهيا لنغتنم شهر التغيير ولنصلِح أنفسنا، ولنهذِّبْها، ونغيِّر من عاداتها القبيحة إلى عاداتٍ حسنة؛
فإن غاية الصيام معالجةُ النفس وإصلاحها لتكتسب بعدها الإرادةَ الصارمة،
والعزيمة الجادة على طريق الإصلاح؛
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
هيا لنغتنم شهر التغيير ولنصلِح قلوبَنا، ونطلِّق ما بها من أمراض إلى الأبد خلال هذا الشهر،
ففي رمضان تسلم القلوبُ من وَحَرها وحسدها وحقدها وغشها وخيانتها،
وتسلم من الشحناء والبغضاء، ومن التهاجر والتقاطع، لتعود إلى فطرتها الحقيقة؛
قال عليه الصلاة والسلام: (صومُ شهر الصبر وثلاثةِ أيام من كل شهر يُذهبن وَحَرَ الصدر)
[أخرجه البزار وصححه الألباني].
هيا لنغتنم شهر التغيير ولنصلِح ألسنتا، ونطهّرها، فهي أخطر جوارح الإنسان، صغيرة الحجم ،
عظيمٌة الجُرْم ، فبالصيام يسلم اللسانُ من قول الزور، ويسلم من العمل به،
ويسلم من اللغو، ويسلم من اللعن، ومن الباطل، ومن الكذب، ومن الغيبة والنميمة وغيرها،
قال رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام-:
(من لم يدَعْ قولَ الزور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه)
[أخرجه البخاري]،
ويقول عليه الصلاة و السلام : (ليس الصيامُ من الأكل والشراب، إنما الصيامُ من اللغو والرفث؛
فإن سابك أحد أو جهل عليك فقُل: إني صائم إني صائم)
[أخرجه الحاكم وصححه الألباني]،
وهكذا بقية الجوارح، وبقية الأعمال، تصلُح وتتغير نحو الأفضل لمن صدق مع خالقه،
فيصدقه فيما يعمل.
هيا لنغتنم شهر التغيير ونستمر على الحق ونعض عليه بالنواجذ ، ونعود إلى رحاب الله ،
ونترك ما ألفته النفس من لهو وهوى قد يكون الفكاك منه صعباً
كما قال الشاعر :
النفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
هيا لنغتنم شهر التغيير ونلجأ إلى الله لجوء المضطرين المستغيثين المنيبين ،
فهو وحده المغيث المجيب لمن دعاه .
في الختــامـ
أسأل الله أن يغفر لنا ما سلف وكان, وأن يجعلنا ممن إذا ذُكر تذكر,
وإذا أذنب استغفر.